الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم التحية مصدر حياه يحييه تحية.
ومعناه في اللغة: الدعاء بالحياة، فيقال: حياك الله، أي أبقاك، ثم توسع في إطلاق التحية على كل ما هو في معناها من الدعاء الذي يقال عند الالتقاء ونحوه. والتحية أعم من السلام، فالسلام نوع من أنواع التحية.
تحية الإسلام:
قد شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لنا تحية تميزنا عن غيرنا، ورتب على فعلها الثواب.
وجعلها حقًا من حقوق المسلم على أخيه، فتحولت هذه التحية من عادة من العادات المجردة إلى عمل يفعله العبد تقربًا إلى الله تعالى، واستجابة لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
فلا يصح أن تبدل هذه التحية العظيمة بعبارات أخرى لا تؤدي ما تؤديه تحية الإسلام المباركة. مثل: صباح الخير، أو مساء الخير، أو مرحبًا، أو غير ذلك، مما قد يستعمله بعض الناس جهلًا أو إعراضًا.
وتحية الإسلام هي: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) هذا أكملها، وأقلها: (السلام عليكم).
من فضائل السلام وخصائصه:
1- أنه من خير أمور الإسلام، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف). (رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب إفشاء السلام من الإسلام، فتح الباري 1 82 رقم 28، ومسلم، في الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام 1 65 رقم 39).
2- أنه من أسباب المودة والمحبة بين المسلمين، والتي هي من أسباب دخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم). (رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب لا يدخل الجنة إلا المؤمنين 1 74 رقم (54).
3- أن كل جملة منه بعشر حسنات، وهو ثلاث جمل، فلمن جاء به كاملًا ثلاثون حسنة، فعن عمران ابن حصين رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (عشر، ثم جاء رجل آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، ثم جلس، فقال عشرون، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، وجلس فقال: ثلاثون).
(رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب كيف السلام 5 379 رقم 5195، والترمذي في الاستئذان، باب ما ذكر في فضل السلام 5 52 رقم 2689، وقال: حديث حسن صحيح، وقال الحافظ في الفتح 11 6: إسناده قوي، وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: إسناد جيد).
حكم السلام ورده:
السلام سنة مؤكدة (أنظر:غذاء الألباب 1 275). ورده واجب عينًا، إذا قصد به شخص واحد، وعلى الكفاية إن قصد به جماعة، فإن رد جميعهم فهو أفضل
صفة رد السلام:
الواجب في الرد أن يكون مثل السلام، وإن زاد عليه فهو أفضل، لكن لا ينقص عنه، فمن سلم فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فجوابه الواجب: وعليكم السلام ورحمة الله، وإن زاد: وبركاته، فهذا أفضل، لكن لا يجوز الاقتصار في الجواب على: (وعليكم والسلام) فقط، لأنها دون السلام، قال تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) (سورة النساء آية 86).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (أي: إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة).
ومما يعتبر جوابًا غير سائغ شرعًا أن يرد بقوله أهلا ومرحبا، أو نحوها، مكتفيًا بها، وذلك لأنها ليست بجواب شرعي للسلام، ولأنها أنقص من السلام بكثير، فإن قوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وما تحمله من معانٍ عظيمة أفضل من قول القائل: أهلا ومرحبًا.
ولكن لا بأس بقولها لا على أنها رد السلام، إنما يرد السلام، ويقولها بعد ذلك، فقد ثبت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مرحبًا بأم هانئ). (رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة بثوب واحد ملتحفًا به.
فتح الباري 1 469 رقم 357، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى 1 498 رقم 336.
التلفظ بالسلام:
السنة في السلام والجواب الجهر، لأن السلام هو التلفظ بقولك: (السلام عليكم)، والإشارة باليد وغيرها لا تعتبر سلامًا، وأما الجواب فإنه يجهر به حتى يسمع المسلم، لأنه إن لم يسمعه فإنه لم يجبه، إلا أن يكون عذر يمنع سماعه.
من أحكام السلام وآدابه:
1- إفشاؤه وإظهاره وإعلانه بين الناس، حتى يكون شعارًا ظاهرًا بين المسلمين، لا يخص به فئة دون أخرى، أو كبيرًا دون صغير، ولا من يعرف دون من لا يعرف، وتقدم حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وتقدم أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفشوا السلام بينكم).
وقال عمار بن ياسر رضي الله عنهما: (ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسه، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار). (ذكره البخاري معلقًا بصيغة الجزم، كتاب الإيمان، باب إفشاء السلام من الإسلام. فتح الباري 1 82).
ومما ورد في ذم من ترك التسليم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أبخل الناس من بخل بالسلام) (عزاه في غذاء الألباب 1 276 للطبراني في الأوسط، عن أبي هريرة، وجود إسناده، وعزاه للطبراني في المعاجم الثلاثة عن عبد الله بن معقل، وجود إسناده أيضًا، ولأحمد معناه (الفتح الرباني 19 252) عن جابر، وقال في الغذاء: إسناد أحمد لا بأس به).
2- يشرع تبليغ السلام، وتحمله، وعلى المبلغ أن يرد السلام، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (إن جبريل يقرأ عليك السلام فقالت وعليه السلام ورحمة الله). (رواه البخاري في الاستئذان، باب إذا قال: فلان يقرئك السلام فتح الباري 11 38 رقم 6253).
3- الأفضل في الابتداء بالسلام أن يسلم الصغير على الكبير، والماشي على الجالس، والراكب على الماشي، والقليل على الكثير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: (يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير) (رواه البخاري في الاستئذان، باب تسليم القليل على الكثير فتح الباري 11 14 رقم 6231).
4- من السنة إعادة السلام إذا افترق الشخصان ثم تقابلا، بدخول أو خروج، أو حال بينهما حائل ثم تقابلا، ونحو ذلك، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجرة، ثم لقيه فليسلم عليه أيضًا). (رواه أبو داود في الأدب، باب في الرجل يفارق الرجل ثم يلقاه 5 381 رقم5200، قال في الآداب الشرعية 1 397 وإسناده جيد)
وفي حديث المسيء صلاته(أنه كلما ذهب ورجع سلم ورد عليه النبي صلى الله عليه وسلم السلام، فقل ذلك ثلاث مرات) (رواه البخاري في الآذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها فتح الباري 2 237 رقم 757). وقال أنس رضي الله عنه: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة فتفرقوا يمينًا وشمالا ً.
ثم التقوا من ورائه اسلم بعضهم على بعض). (رواه بان السني برقم 245، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الأدب، والبخاري في الأدب المفرد رقم 1011، وعزاه المنذري في الترغيب والترهيب 3 268، والهيثمي في مجمع الزوائد 8 34: للطبراني في الأوسط، وحسنا إسناده).
5- حكم السلام على الكافر، ورد سلامه إذا سلم: (للاستزادة أنظر: فتح الباري 11 39، والآداب الشرعية 1 387، وأحكام أهل الذمة لابن القيم 1 191).
السلام تحية للمؤمنين خاصة، فلا يجوز إلقاؤه على غيرهم، قال صلى الله عليه وسلم (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه). (رواه مسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام 4 1707برقم 2167.
ومعنى: (اضطروهم إلى أضيقه): لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكرامًا لهم واحترامًا، وليس المعنى: إذا لقيتموهم في طريق واسع فضيقوا عليهم، لأن هذا أذى لهم، وقد نهينا عن أذاهم بغير سبب. (مختصرًا من فتح الباري 11 40).
أما إن حضر موضعًا فيه أخلاط من المسلمين والكافرين، فيسلم ويقصد المسلمين، ففي حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، فسلم عليهم) (رواه البخاري، كتاب الاستئذان، باب التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين (فتح الباري 11 38 رقم 6254، ومسلم، كتاب الجهاد، باب دعاء النبي وصبره على أذى المنافقين 3 1422 رقم 1798).
وإذا سلم الكافر فإنه يرد عليه بمثل ما روى أنس رضي الله عنه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن أهل الكتاب يسلمون علينا، فكيف نرد عليهم؟ قال: قولوا وعليكم) (رواه مسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام 4 1706 رقم 2163.
وهو أيضًا (في البخاري نحوه دون ذكر السؤال، كتاب الاستئذان، باب كيف الرد على أهل الذمة. فتح الباري 11 42 رقم6257). ولا يزيد على ذلك هذا الذي عليه الجمهور (أنظر: تفسير بن كثير، والآداب الشرعية، لابن مفلح 1 389، وللإمام ابن القيم تفصيل في المسألة، أنظر: أحكام أهل الذمة 1 199).
6 – السلام على النساء:
يجوز السلام على النساء المحارم، أما غيرهن: فيجوز إذا أمنت الفتنة بهن وعليهن، وهذا يختلف باختلاف النساء، والأحوال، والمواضع، فليست الشابة كالعجوز، ولا من دخل بيته فوجد فيه نسوة فسلم عليهن كمن مر بنساء لا يعرفهن في الطريق، وأما المصافحة للنساء الأجانب فلا يجوز مطلقًا، ومن أدلة ذلك:
أ- قوله صلى الله عليه وسلم (لا أصافح النساء).
ب- قالت عائشة رضي الله عنها: (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا امرأة يملكها) (رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب بيعة النساء فتح الباري 13 203 برقم7214).
ت- وقال صلى الله عليه وسلم (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له).
الكاتب: الشيخ علي بن عبد العزيز الراجحي
المصدر: موقع المستشار